صراخ بدون صوت.. كموتهم بدون دماء!
تمطر في باريس.. لكن لا أشتكي اليوم من المطر.. فروحي ملبّدة كهذه السماء، منذ أيام..
ملبّدة بأنفاسٍ انقطعت.. ألفٌ ومئات.. رقمٌ ضخم فتحنا أعيننا عليه، في ذلك الأربعاء.. رقمٌ جديد.. يُضاف إلى مئةِ ألف.. وسيُضاف إليه أرقامٌ أخرى.. وانفاسٌ أخرى كلّنا على يقين أنّها ستنقطع أيضاً وأيضاً..
هم اختنقوا.. وبعضهم، الكثير، مات.. بالكيماوي أو دون الكيماوي حتّى.. كيف يكون الكيماوي خطاً أحمرَ تتراقص الدول حوله، ولا يكون مقتلُ ألفٍ ومئات في صباحٍ واحد خطاً تنتفض له البشرية؟
ألفٌ ومئات.. أشعر أنني اختنق معهم فرداً فرداً.. بالرغوة البيضاء أم الصفراء قليلاً.. بالغاز السام، أم بسمّ البدن.. أشعر أنني أختنق.. أنني قطعت كلّ الخطوط الحمراء، وقفزت في الهاوية.. بدون أكسجين، أصرخ ولا يعلو صوتي.. كموتهم بدون دماء، جثثاً هامدة، صفراء؛ صراخي بلا صوت.. وجعي، جثةً هامدة..
كموتهم بدون دماء.. وكأننا نعيش بلا حياء.. بعضنا يشكك والآخر يتّهم من مات.. والبعض الآخر يقول فبركة، والثاني يريد اتّهام الأوّل.. وكأن الغوطة زادت على جنوننا جنون.. وكأن الغازات السامة أم الوهمية على حد سواء أصابتنا بالعمى.. والمجون..
ألفٌ ومئات ماتوا.. أفلا تقفون أمام رهبة الموت دقيقةً واحدة وتنصتون؟ ألا تسمعون حناجرهم تختنق؟
صراخهم كصراخي.. بدون صوت..
كموتهم بدون دماء..
هذا العالم ليس لي.. وليس لهم.. وليس لكثيرين منّا.. هذا العالم للمجانين، يسرقون أصوتنا بهستيريتهم.. وبمنطق جنونهم يحكمون علينا بالإعدام..
فلنكفّ عن الصراخ..
ولنمت.. بدون دماء!
2 Comments
Post new comment