زمن الرقم واحد..

أحاول منذ مدّة أن أعود في أرشيفات الأخبار، والتاريخ، لأرصد في أيةِ حقبة من تاريخ الإنسان، كان للرقم واحد أهمية. وصلت إلى حقبة حرب المئة عام، ولم أجد شيئاً بعد. مئة عامٍ من الحرب! في ذلك الزمن البعيد، كم من جيلٍ تعاقب على هذه الحرب؟؟ هل الحروب عابرة للأجيال؟ عابرة للإنسان؟ حتّى حينها، يعدّ التاريخ الأرقام وكأنّه آلة حاسبة! مئة ألف قتيل هنا وهناك، مجاعة تلو المجاعة، فقراء، جرحى، مشرّدون، جنود، قتلى، أشلاء، مدنيون، أبرياء. لا يبدو المشهد غريباً عن واقعنا اليوم. الأسماء تغيّرت، الأسلحة تغيّرت، لكنّ جوهر القصة لا يزال على حاله: قتلى، لاجئون، فقراء، موتٌ، فموتٌ، فبؤس!

أعود لأنبش التاريخ. أريد أن أجد تلك اللحظة، وإن كانت وحيدة، حين كان الإنسان يهتز لمعرفة أن شخصاً واحداً، وحيداً، اضطرّ إلى اللجوء.. ذلك الزمن حين كان المجتمع ينتفض لمعرفتِه بأن شخصاً واحداً، وحيداً، يعاني من المجاعة. أم أن الشبع كان الاستثناء؟ والحياة كانت الاستثناء؟ والموت والقتال هو المنطق السائد منذ قابيل وهابيل؟

ألم يعِش الإنسان يوماً هذا الزمن حين كان للفرد الواحد أهمية توازي أهمية الملف النووي الإيراني، والكيماوي السوري، والقضية الفلسطينية؟ ألم يكن للفرد الوحيد، المواطن العادي يوماً أهمّية، بعيداً عن محيط من يحبّونه؟ ألم يهتم الإنسان يوماً لمصير الفرد الواحد الوحيد يوماً، إلا إذا ربطته به علاقة محبة أقوى من رابطة الدم وأقوى من رابطة الإنسانية؟

أعود لأنبشَ التاريخ. ربما الحقّ على السرد. ربما التاريخ لا يحبّ أن يظهرَ جانبنا الإنساني. ربما التاريخ يحبّ الأرقام، يحبّ÷ا كلّما كبرت وارتفعت. ربما التاريخ هو المذنب وليس نحن. ولكن إذا كنّا أبرياء، فكيف نعدّ الأرقام مع التاريخ، نتفاجأ كلّما تخطّت عتبةَ رقمٍ مدوّر: مئة، ألف، عشرة آلاف، مليون.. وكأننا في مزاد. نتفاجأ، نحزن ربما بضع دقائق، ثم نعود إلى شللنا، ننتظر الرقم التالي.

أريد أن أعيشَ في زمنٍ لا تمرّ فيه الأرقام الهائلة مرور الكرام، وكأنّها أمرٌ عادي. أريد أن أعيش في زمنٍ لا نمرّ فيه قربَ مشرّدٍ فنشيح بنظرنا وكأنّه وباء. أريد أن أعيش في زمنٍ لا نقلّب فيه المشاهد الدامية على التلفاز الواحدة تلو الأخرى لنستقرّ في نهاية المطاف على مسلسلٍ كوميدي، أوعلى برنامجٍ ترفيهي، ينجح في أن ينسينا قباحة ما ترتكبه أيدينا، عبر وقوفها مكتوفة.. أريد أن أعيش في زمنٍ تكون فيه أهمية الفرد العادي، المواطن الفقير، أهمّية أكبر من أية "شخصية" نحدّق فيها مذهولين، خاشعين.. أريد أن أعيش في زمن المشرّد الواحد الوحيد، الذي نركض جميعاً لنأويه. في زمن الجائع الذي يجد مئة لقمة في النهار. في زمن اليتيم الذي يجد آلاف الأيادي تحضنه.

أريد أن أعيش في زمن الرقم واحد!
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
4 Comments
عداد شهداء غزة في ارتفاع ولكنها غزة.. الرقم واحد اليوم.
روعه كلسينا مقدمة اخبار اسم على مسمى فهيه رائده وؤائعه بنسبه لى ولا اخاف من تقديمها للاخبار لاني من الاناس الذين يخافون مقدمو الاخبار لكن مع روعه كلسينا ذهب هذا الخوف منى واشعر عندما اراها بان نهارى سوف يكون رائعأ اتمنى لها التوفيق والنجاح في عملها وشكرأ جزيلآ
Love it ma chère :) très impressionnant! Inchalla tu auras l'avenir brillant que tu mérites
روعة كلسينا < اجمل مقدمة اخبار على في فرانس 24 ,, انا من اشد اشد المعجبين بها , فهى شخصية ودوده مريحة .. عندما تنظر اليها انيقة جميلة ذات قوام جميل انا وكثير من الاصدقاء فى دبى .. الامارات العربية المتحدة نتجمع فقط للاستماع الى السيدة الرائعة روعة استمرى فى هذا النهج استاذه روعة ونرجو ان نتبادل الرسائل معك كمعجبين بك .. الى الامام فرانس 24

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.