التاريخ الحاقد على الأطفال!

"لماذا لا يتحدّث التاريخ عن الأطفال؟"، سؤالٌ طرحته بسخرية روائية فرنسية، تندد بعدمِ اكتراث التاريخ والعالم بشكلٍ عام، لما يجري في عالم الأطفال. عالم كبار المستقبل؟ لماذا نتجاهل هذا العالم الذي يكبر في الخفاء، ويحلّ محلّنا فجأة؟ ألهذا يعيدُ التاريخُ نفسه؟ كي يترك لنا المجال لاستدراك الخطأ؟ كي نفكّر مرّة بإلقاء نظرة على ما يجري في عالم الأطفال، علّنا نبني فيه تاريخاً مختلفاً؟

أهلوس؟ ربما.. مليون طفل سوري لاجئ، رقمٌ يجعل أياً كان يهلوس!! نصف عدد اللاجئين السوريين هم من الأطفال. مليون، يكبرون في خيم اللاجئين، يكبرون في العوز، يكبرون في الجوع، يكبرون مع قصص اللجوء، مع أصوات الحرب، مع اخبار الدماء، مع صور الدماء.. هؤلاء سيعودون يوماً ليبنوا سوريا ما بعد "الأزمة".. مع كلّ ما سيحملونه على مرّ الأيام، هم سيكونون حتماً مستقبل سوريا، فأي مستقبل يخرج من مخيّمات اللاجئين بالحالة التي هي عليها اليوم؟؟!

"أمير" بلدة اعزاز السورية الحدودية مع تركيا، طفل في السادسة عشرة من العمر! نصّبته داعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام) أميراً للبلدة. ويبدو أن الطفل "المعجزة" يتسلّى بتعذيب المحتجزين، والسكان ايضاً.  هذا القيادي، من علوّ أعوامه الستة عشر، هو حتماً أحد زعماء الحرب في المستقبل، أي حربٍ كانت، هو سيبحث عن حربٍ يتزعّم فيها أو يتأمّر فيها على أي كان.. حكماً، نظراً لتاريخه.. تاريخ أعوامه الستة عشر! يعني إذا كان الطفل المعجزة "أميراً" وهو لم يبلغ بعد سن الرشد، ماذا نتوقّع منه عندما يضاعف عمره؟ أن يصبح مبعوث سلام؟؟!

عشرون ألف طفل يولدون يومياً من أمّهاتٍ قاصرات! حالة مضاعفة من الطفولة! فبين الأم والمولود لا أدري أيهما أسوأ حالاً! الطفلة التي لم يُسمح لها بعيش طفولتها، والتي أُجبرَت على الزواج؟ أم الطفل الذي يحظى بأمٍ لم تعرف بعد الفرق بين الدمى التي كانت ترافقها في الأمس، والمولود الذي بين يديها اليوم؟ الطفلة التي كانت تلعب بالأمس مع ابن الجيران، لتستيقظ في اليوم التالي على "ممنوع اللعب مع الصبيان"، أما الزوج فيمكنه أن يلهو بها كما يشاء؟ أم الطفل الذي ينتج عن هذا اللهو؟ أم المستقبل الذي يمكن أن يكون للاثنين؟

ألهذا نتجاهل النظر إلى عالم الأطفال؟ لأنّه يشعرنا بالخزي والعار؟ لأننا نرى فيه مستقبلاً بعيداً كلّ البعد عن الأحلام التي نسعى إلى تحقيقها؟ أم لأننا لم نفهم بعد أنّ التاريخ غداً هو أطفال اليوم؟

ملحوظة: الصورة بعدسة نور كبارة
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.