الموت، شماتة!

تشمتون بالموت، عندما يحلّ ضيفاً على "أعدائكم".. وكأنّكم لا تعرفون أنّ الموت عادلٌ، لا يفرّق بينكم.. وكأنّكّم لم تحملوا أكفان ضحاياكم بالأمس!
تشمتون، وكأنّكم لا تعون أنّه يحصدكم يميناً ويساراً، لا يميّز بين ألوانكم التي تتحصّنون خلفها، تبنون منها متاريس وخطوط تماس..


تشمتون بالموت، وهو الذي يشمت بكم... بعماكم، تتركونه يجرّكم، تارةً باسم الدين، وتارةً باسم القومية.. بعنجهيّتكم، تارةً تقننعكم بأنّكم الأسمى، الأحقّ بالحياة دون غيركم..  وتارةً تصورّكم لأنفسكم حماةَ الوجود، وجود المغشي على قلبهم مثلكم..


تشمتون بالموت لأنّه أصابهم هم.. وغداً يصبيكم أنتم.. وهم يشمتون بكم.. دوّامة من الألعاب النارية، والحلويات!


كان الناس في حكايات جدّي يموتون، كرامةً.. أو شهادةً.. من أجل قضية يؤمنون بها، من أجل أرضٍ يدافعون عنها، ليس لأجلهم، بل لأجل أبنائهم.. اليوم بات الناس يموتون، شماتةً!!
شماتةً بأنفسهم، بأحقادهم، بطائفيّـهم، بتحزّبهم.. شماتةً بالإنسانية التي رموها خرقةً لا قيمة لها.. فالإنسانية ليست من طباعِ الإنسان الأولى.. هو حيوانٌ أوّلاً.. هو حيوان، وهذا الأسهل.. الإنسانية مشروعٌ معقّد! هكذا يبدو.. وكأنّها تزداد تعقيداً..

 

فكيف تكون الإنسانية في لبنان، عندما ينزل هذا الطرف لتوزيع الحلويات كلّما مات آخرون من الطرف الآخر؟ وعندما يعيشون يوميّاتهم بالخوف الكبير على ما يشكّله الآخر من تهديدٍ لكيانهم؟ كيف تنسى غرائزك الحيوانية، وتتمسّك بالإنسانية وأنت مقتنعٌ بأنّ الآخر هو موتك؟ والموت عليك وعليه!

 

كيف تكون الإنسانية في سوريا، عندما ينكّل هذا الطرف بجثة الطرف الآخر، بعد الموت، فقط لأنّه منهم؟ ويتباهون بما تنجزه أيديهم بفيديوهات وصور، يرفقونها بتهديداتٍ للآخر بأن الموت قادمٌ وقريب! والموت ينتصر عليهم جميعاً..


كيف تكون الإنسانية في العراق، والتفجيرات يومية، تارةً تستهدف المارّة في الأسواق الشعبية، وروّاد المقاهي، وأطفال ملاعب! فقط لأنّهم يتواجدون في حيّ الآخرين.. وتارةً تستهدف زوّاراً لأنّهم يبحثون عن الله، على طريقتهم..  والموت يمرّ على الجميع، على طريقته..


كيف تكون الإنسانية في مصر، عندما يرى البعض أن أكثر من خمسمئة شخص استحقّوا الموت لأنّهم يؤمنون بوجهة نظرٍ تختلف عنهم.. وعندما يردّ البعض الآخر بالهجوم على أبناء ديانةٍ أخرى، انتقاماً.. والموت ينتقم منهم جميعاً..

 

كيف تكون الإنسانية في عالمنا العربي، والموت بات عابراً للمحيطات، نصدّره ونستورده.. نتقاذفه ثم نحتضنه.. لعبةً نظنّ أنّنا نتقنها، وهي التي تتفنّن بنا..


تشمتون بالموت، ألا وهو الذي يشمت بكم.. يترككم في نزاعاتكم، تقتتلون.. تقدّمون أنفسكم له هديّةً على مذابح الإنسانية..

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
2 Comments
يشمت بالموت من يخافه ولا يؤمن بالله . ولايؤمنون بالحساب والعقاب انما بتناسخ الارواح وانتقالها بعد الموت , من الملاحدة والشيوعيون ومن ينتهجون هذا الفكر المنكر لوجود الله . نحن لانخاف الموت فهو حق ولانكرهه . اصبحت اليوم تجارة لما يضحك الناس على دماء بعضهم وهي تراق .
ألبنية ألذهنية للعرب أنتجت بحار من ألدماء لأنهم يتناسون نقاط ألتلاقي ويركزون في خلافات يصنعها غيرهم.

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.