أينما وُجِدَ الأمل، كثُرَت المحن..

قالت أَوماميه: "لا تقلق.. واعْرَف أنّه أينما وُجِدَ الأمل، كثُرَت المحن.."
أجاب: "دعيني أخبرك قصة عن أيام ستالين" (أختصر القصة).. وهو يختم القصة بالخلاصة "هكذا حكم ستالين، بالبارانويا.. وبارانويا رجل واحد قتلت الملايين من أبناء وطنه، من رفاقه في النضال.. تذكّري دائماً أننا نعيش في هذا العالم.. الأمل موجود كفكرة مجرّدة نسعى إليها.. والمحن، الكثيرة، هي الواقع الذي نعيشه"...

 

أقتبس هذا المقطع من قصةٍ للكاتب الياباني هاروكي موكارامي.. كاتبٌ كثير الوصف، ولكنّ بين الأوصاف التي لا تُعدّ ولا تُحصى، يطالعك بخاطرة تشعلقك من جديد بالقصة التي لا تنتهي..

 

 

المحن الكثيرة هي الواقع الذي نعيشه.. لكن الواقع ينتهي في اللحظة التي تليه ليصبح جزءاً من الماضي.. والماضي عبارة عن قصصنا ورواياتنا التي لا تمتّ للواقع بصلة، في الكثير من الأحيان.. الماضي هو رؤيتنا الشخصية لواقعٍ ولّى حاملاً الحقائق معه..

 

 

هذا هو الواقع الذي نعيشه اليوم.. نتاج فهمنا الشخصي، رؤيتنا الشخصية، وكذباتنا التي نحتاجها لنتقبل الواقع.. دوامة من وجهات النظر.. والتاريخ مُلكٌ للحكواتي الأشطر..

 

كلما ولجت الشبكة العنكبوتية ورأيت كمّ وجهات النظر.. والتحليلات.. وإعادة سرد الوقائع، التي تقع لحظتها من علياء حقيقتها لتسقط في بحر التأويلات والإشاعات، والتمليحات والتبهيرات..

أفكّر بالتاريخ الذي سيلقاه الجيل المقبل.. أفكّر بمَ سيبقى من صراعاتنا اليوم.. من كراهيتنا وأحقادنا.. من آلامنا وجراحنا.. ومن أفراحنا..

 

أتساءل عمّ سيرويه التاريخ عن سوريا اليوم؟ ما بقي من الحرب الأهلية اللبنانية؟؟ حربٌ دامت سبعةَ عشر عاماً.. حربٌ لا تاريخ عنها.. ملغاةٌ من كتب التاريخ المدرسية.. وكأنّها لم تكن.. لم يبقَ منها سوى شعار "لن ننسى".. وتراكماتٌ لأزماتٍ نرفض ربطها بها، حرصاً على السلم الأهلية.. ماذا سيبقى من لبنان في كتب التاريخ بعد عشرة أعوام. ماذا سيبقى من مصر؟ ومن تونس؟ ماذا سيبقى من ربيعٍ عربي فجّر ينابيع من وجهات النظر، من أكثرها تطرّفاً إلى أكثرها اعتدالاً، وكلّها لا تلتقي، لا في المصدر ولا في المصبّ.. لا تلتقي سوى في المصيبة..

 

 

وفي نهاية المصيبة، ينتصر الراوي الأكثر عموميةً (إرضاءً للجميع) والأكثر اقتضاباً (لأن التاريخ ليس رواية لموراكامي).. وتضيع التفاصيل المملة التي تشغلنا يومياً.. وندرك على فراش الموت أنّ العمر غفلة، ضاع منّا في متاهات النرجسية..

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
1 Comments
هزتني هذه الخاطرة إلى حد كبير، و رأيت فيها مرآة لخواطر مشابهات تناوش دروب النفس و تمضي لتترك ندبةحيناً أو دوائراً لا تنتهي ل حجر رُمي في ماء رائق. من يكتب التاريخ؟ وماذا سيبقى منا لتقرأه الأجيال القادمة. قيل التاريخ يكتبه المنتصر و قيل يكتبه من يمتلك نواصي البيان و هذا صحيح في جانب واحد و خاطئ في آخر. لو كان الأمر فقط بيد المنتصرين لطرى التاريخ صفحة هنئ بعل برقة بطل قرطاجة الذي شرب السم الزعاف بديلاً عن الوقوع بيد أعدائه الرومان.طوى التاريخ اسم الروماني الذي هزم هنيبعل( اسمه شيبو الإفريقي) المنتصر و خلد هنيبعل رمزاً للاستراتيجية و الحنكة و تواطئ الظروف و الأعداء. ما يبقى من التاريخ دروسه أما التفاصيل فتضيع في متاهات الوقت و زحمة الحاضر.المشكلة أننا كبشر لا نتعلم من دروس التاريخ. نطرق القرن الحادي و العشرين و في ركابنا من لم يخلع عقلية رجل الكهوف و طريقة مقاربته للأمور و إن كان قد رمى بهراوته و خلع سرباله الغليظ.نشغل بالنا كثيراً عندما نفكر بمآلات الأمور في زمن قادم و ربما أحرى بنا أن نغير تفاصيل زمن حاضر. التاريخ يحمل لنا خلود قيم الحق و الخير و الجمال و الصدق و سقوط كل من خالفها أو حاول أن يجيرها لرؤيته الضيقة.في زحمة اليوم ترميني روعة بسهم خاطرتها فتجعلني أقف و أفكر و أكتب.

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.