العيد: عدت بنفس الحال!
أنا: "عيدٌ بأي حال عدت يا عيد؟"
العيد: "كلّ عامٍ تسألونني السؤال نفسه، وكأنني أنا المتحكّم بالأحوال، وأنتم العباد المساكين بانتظار حكمي الجائر.. ترتكبون الفظائع طوال العام، وتنتظرون هاتين الفرصتين سنوياً لتلقون باللائمة على العيد.. وكأنني أنا الذي آتيكم بالبلاء وأنتم شرّ البلية..
كلّ عامٍ تنتظروني أيامي الثلاثة أو الأربعة، لتتذكروا أن لكم أشقاء في الإنسانية يعانون ويموتون جوعاً، كي تتصدّقوا.. وكأنكم فجأة تهبّون لمساعدتهم ولانقاذهم منّي و مما أحمله معي.. وأنتم تسرقونهم طوال العام، تأكلون أكثر مما تحتاجون وترمون الفضلات لكلابكم..
كلّ عامٍ تنتظروني لآتيكم بالتسامح والمحبة.. وكأنني أنا الذي سرقتها منكم وأخفيتها بعيداً عن منالكم طوال العام، وأنتم الحاقدين، وأنتم الحسودين، وأنتم الطامعين.. أنتم الأنانيين، ولا بل أغلبكم نرجسيون..
كلّ عام تنتظروني لتتمنّوا لغيركم أن آتيهم بالخير هذا العام، وكأنني أنا المسؤول عن بئس مصيرهم في الأعوام السابقة.. وأنتم الذين تهملونهم، وأنتم الذين تنسونهم، وأنتم الذين تسيئون إليهم.. وأنتم الذين تضطهدونهم..
تسألينني بأي حال عدت؟ أسألكم، بأي حالٍ تتوقعونني ان أعود؟ تقتلون بعضكم بعضاً ليلاً نهاراً، ولا تقومون سوى بعدّ ما اقترفته أيديكم.. تتهافتون على كل شيء وعلى لا شيء.. تتنافسون فقط كي تسبقوا بعضكم بعضاً، ثم تتباكون على من سُحق في الطريق تحت أقدامكم ملقين بالملامة على الآخر..
بأي حالٍ أعود؟ بأي حال تريدونني فعلاً أن أعود؟ لو كان الأمر بيدي لما عدت أصلاً.. لتركتكم لجهلكم وعماكم وغروركم، تفنون بعضكم وتضحك عليك الحيوانات شماتةً.. ماذا أنجزنم؟ حضارة؟ تشهد على أنّكم مررتم من هنا، أنكم كنتم يوماً أحياء؟ حضارة تشهد على عنجهيّتكم! عوضاً عن أن تكرّسوها لخيركم، جعلتموها أداةً، تارةً للتباهي، وتارةً لسحق الآخر..
بأي حالٍ أعود؟ بالحال الذي كنتم عليه بالأمس، وستكونون عليه غداّ.. كلّ ما أحمله لكم هو بضعةُ أيان من الوهم بأنكم تكنّون لبعضكم الآخر المحبة، وأنّكم تريدون السلام للآخرين.. كل ما أحمله لنفوسكم، هدنة من شخصكم!"
أنا.. كيف أجيب؟ أنني من تلك القلّة التي تؤمن بأن الإنسان خيّرٌ بطبيعته؟ أنني من تلك القلة التي تؤمن أننا يوماً ما سنبني غداً أفضل؟ أصمت، أشيح بنظري، واتوجه إلى الفراش.. فالنوم هو الجزء الوحيد الذي له معنى في هذه الحياة..
ملحوظة: الهدنة في سوريا يُفترض أن تبدأ بعد بضع ساعات.. مع غياب المراقبين والتشكيك من كل الأطراف، كل ما أحلم به الليلة هو أن يحمل العيد لأهلي في سوريا بضع ساعاتٍ من السكون..
0 Comments
Post new comment