الانتصار في زمن الحرب الأهلية..

الحرب الأهلية في سوريا.. عبارةٌ بتنا نسمعها منذ أسبوع، حقيقة فاجأتنا على الرغم من إدراكنا لها منذ زمن! فإدراك الحقيقة أمر يختلف كلّياً عن مواجهتها كواقع محتوم! حرب أهلية تختلف بالمعنى عن الثورة ضد نظام بالٍ.. حرب أهلية تختلف بالمعنى عن معارضة مسلّحة تحمي المدنيين العزل.. حرب أهلية تعني عدّة أطراف يتقاتلون، ولا شيء يجمعهم سوى حصيلة قتلى تصبح محطة يومية لوسائل الإعلام..

 

إلى أين تتجه سوريا الآن؟ سؤال كنا نخشى أن تكون إجابته "الحرب الأهلية". الآن، وقد حلت الحرب، ما هو الجواب؟ عبارات فلسفية تتساقط يميناً يساراً، على وقع القنابل التي تتساقط بالمئات يومياً.. وكلاهما يقتل.. لا بل للعبارات الفلسفية أحياناً وقع أقوى من الموت.. فهي تطرح فرضيات حول مستقبل سوريا والمنطقة، تثير الذعر في نفوس كل من يحاول عبثاً السيطرة على المجهول.. والذعر، للأسف، غالباً ما يكون أقوى من المنطق وأقوى من المبادئ وأقوى من الحرية!

 

تفجير مبنى الأمن القومي ومقتل القيادات الأربعة فاجأ الجميع. معارضو النظام احتفلوا به انتصاراً، فمع أنه لا شماتة في الموت، إلا أن مقتل آصف شوكت لا يمكن أن يكون سوى متنفسٍ للصعداء للعديد من السوريين، وغير السوريين. وقرار الأمين العام لحزب الله بمساواة شوكت بابنه معلناً إياه شهيداً للمقاومة، لا يمسح أبداً تاريخ شوكت، على الأقل ليس من ذاكرة من عانوا من فضائله عليهم وعلى عائلاتهم.

 

للعودة إلى تبعات تفجير دمشق، موالو النظام، أو على الأقل بعضهم، رأوا فيه علامة على نهاية النظام، فزاد عدد الانشقاقات. أو ربما بعضهم تخلّص من جلاده في الانفجار فبات قادراً على الانشقاق. المهم أن الانشقاقات زادت. وإن دارت أقوال عن أن الأسد هو مخطط الانفجار كي يتخلص من القيادات التي تفبرك انقلاباً عليه. كل شيء وارد، فزمن الحروب الأهلية هو زمن الشائعات والبارانويا بامتياز. فكيف إذا كانت الحرب في سوريا؟ بلاد عاشت أربعين عاماً من البارانويا. سلطة نظام الأسد كلها كانت عبر أذن الحائط، التي ربما تكون موجودة، وربما لا، لكن الخوف منها دائماً موجود يفرض رقابة على الأحاديث وحتى على الأفكار؟

 

موالٍ أم معارض، الأكيد أن تفجير دمشق سرّع وتيرة التغيير في سوريا. مفاجأة أثبتت أن الدول الداعمة لهذا التغيير ليست بعد مستعدة له. والسؤال عن من يمكن أن يكون بديل الأسد بات ملحّاً ولا أحد يملك الجواب.. أو الإجابات المطروحة لا تعجب أحد، وليست أصلاً جديرة بالأخذ على محمل الجد. فما العمل إذا نجح السوريون فعلاً بإسقاط النظام؟ من يتسلّم إدارة الفترة الانتقالية في ظل فقدان الشرعية التي يعاني منها المجلس الوطني السوري؟ وفي ظل الشعبية الضيّقة لهيئة التنسيق؟ وفي ظل غياب المنبر الديمقراطي كلّياً عن الساحة الدولية؟ وربما المحلية حتى؟ بعد كل ما جرى منذ آذار 2011 وحتى سقوط النظام الأسدي، "سوريو الداخل" باتت لهم نظرة مختلفة تجاه معارضة الخارج. فبينما هم كانوا يأكلون الضرب، بدت معارضة الخارج منقسمة، مشتتة، ملهية بالمصالح الفردية، وبتورية المال المخصص لدعم الثورة (بحسب روبرت فورد)، وباتت، كما وصفها أحد السوريين، مخزية..

 

البعض تحدّث عن عودة القيادات المنشقة عن الجيش إلى سوريا لتولي الفترة الانتقالية، لكن بعد أربعين عاماً من حكم عسكري استخباراتي، هل يريد السوريون فعلاً أن يسلّموا السلطة إلى العسكر؟ 

 

كلّها أسئلة سابقة لأوانها، فإذا سقط النظام، سيناريو "الانتصار" ليس سهل التحقيق، كما يتخيّله البعض.. فلا السيطرة على القصر الجمهوري، ولا قتل (أو هرب أو اعتقال) رأس النظام، يوقفان الاقتتال. الحروب الأهلية لا تنتهي بخاسرٍ وبمنتصر، بل بمن يقضي وبمن يبقى..

 

لا أريد أن أكون متشائمة، ولا أن أبدو مشككة، ولا أن أحبط عزيمة من تحمل قمع نظام له كل الحق أن يثور ضده. لكن لا يمكنني سوى أن أحذّر، ربما لتفادي خيبات الأمل، من أن الانتصار لا مكان له في زمن الحرب الأهلية..

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.