لا حولة ولا قوة..
مجزرة جديدة.. ربما بات يمككنا أن نجزم أن سوريا تشهد عملية إبادة.. إبادة ليست عرقية، ولا طائفية، ولا قبلية.. إبادة للحرية.. إبادة للطفولة وللشباب تحديداً، وللنساء.. ربما كي لا تعشن لتنجبن أحراراً مرّة أخرى.. وربما بدافع كراهية لا عقل لها ولا قلب..
من مسؤول ومن ليس مسؤول؟ بعيداً عن الإدانات.. بعيداً عن المعارضة السياسية وعن المعارضة المسلحة.. بعيداً عن الخلافات في المجلس الوطني، وبعيداً عن الجيش السوري الحر.. وعن تحليل كيانه والذي ليس سوى فصائل مسلّحة تقرر كما يحلو لها متى تحمل لواءه ومتى تنشق عنه..
بعيداً عن كلّ البلبلة والتخوين، والتقسيم، والمصالح..
بعيداً عن كافة أخطاء المعارضة، الخارجية والداخلية، الحقيقية، والبالية، الحالمة، والواقعية زيادة عن الحد..
بعيداً عن كل التجاذبات الإقليمية..
فلنترك كلّ هذه الإضافات جانباً.. ولنعد إلى من يُبادوا في سوريا..
لنعد قبلهم، إلى أولئك الذين طالبوا عبر صفحات الفايسبوك في شباط فبراير 2011 بنزول السوريين إلى الشارع، متأثرين طبعاً بثورة الياسمين في تونس، وبشباب الميدان.. صفحات أعطت موعداً مع ميادين دمشق.. فلم ينزل أحد، لا في الأسبوع الأول، ولا في الأسبوع الثاني، ولا في الثالث..
كنّا على وشك إصدار حكم بالأسد المؤبد لسوريا.. لولا بضعة أطفال..
وللأطفال هذه البراءة التي نستبدلها كلما كبرنا بالخوف والحذر..
ببراءتهم الطائشة والحماسية والتي لا تعرف الخوف.. كتبوا في درعا "الشعب يريد اسقاط النظام"..
ربما كانوا يريدون فعلاً إسقاط الأسد.. وربما كانوا فقط يرددون ما سمعوه في ميدان التحرير.. فأصوات مليون، او اثنين، يصرخون بصوت واحد "الشعب يريد اسقاط النظام" لا بد أنّها تخترق القلب.. ربما كانوا فقط يدعمون شباب الميدان، تماماً كما كان نظامهم حينها -اي نظام الأسد- يدعم الثورة ضد مبارك. فهي ثورة ضد معاهدة كامب دايفد كما صرّح به.. لكن مهما كان النظام الذي أراد هؤلاء الأطفال اسقاطه.. نظام الأسد شعر انّه المعني مباشرة..
وخوفهمن هذه الجملة على أراضيه دفعت به إلى اعتقالهم..
خوفٌ مبرّر، وربما محمود، فلولا اعتقال الأطفال، ما كان انتفض أهاليهم ربما..
منذ تلك الخربشة وسوريا تغيّرت..
لنبقَ ولو قليلاً مع مسيرة كل حي وشارع سوري..
من درعا، إلى أنخل، إلى حمص حي البياضة، فحمص بابا عمرو.. بتنا نعرف تفاصيل احياء سوريا..
حيٌ حي انتفضوا.. وصرخوا "الشعب يريد اسقاط النظام"..
أيدٍ خارجية أم داخلية، لا فرق..
قلة من الحتجين أم مندسون، لا فرق..
عصابات مسلّحة ام القاعدة لا فرق..
فمهما حاول النظام أن يسمّي ومهما حاول أن يبرر.. -ولا أدري كيف تبرر قتل ما يزيد عن الخمسة عشر ألف مدني من بينهم اطفال ونساء عزّل..- لكن مهما يحاول النظام.. فالواقع أن أطفال درعا الذي خربشوا على الحائط غيّروا سوريا..
فمنذ خربشتهم، وجدار الخوف الذي كان يطبق على افواه السوريين، كسره النظام بيده، ليعمّر بحطامه جداره الخاص من الخوف.. سورٌ عالٍ لا نهاية له سوى بالانتحار قفزاً عنه..
إلى متى يستمر النظام بهذا الاحتضار القاتل؟ لا أدري.. إلى متى يسكت العالم ويفكر بالتجاذبات الإقليمية قبل أن يفكّر فيكم؟ لا ادري ايضاً.. من سيحلّ محل هذا النظام البالي؟ مرة اخرى، لا أدري...
لكنّ جدار الخوف سقط عنكم، وهذا يستحق عناء هذا المخاض الطويل..
0 Comments
Post new comment