الأمل في مواجهة العجز..

لا شيء يقتل الأمل بفعالية مثل العجز..

هذا ما أدركه النظام السوري منذ اندلاع الاحتجاجات المنددة به العام الماضي.. يقمع كي لا تمتدّ، والقمع يزيد القهر، ويقوّي العزيمة.. فيواجه العزيمة بالقمع المعنوي.. وللقمع المعنوي اوجه عديدة..

 

مبدأ الإنكار:

احتجاجات؟؟ اي احتجاجات؟؟ تجاهلها في بادئ الأمر.. وكأنّها لم تكن.. وكأنّها لا يمكن ان تكون.. ثم اعترف بها لكنه عزاها لأقلية قليلة جداً لا تمثل الشعب السوري.. أزمة؟ أين الأزمة؟ سؤال طرحه وزير الخارجية وليد المعلّم في مؤتمر صحفي خلال الصيف.. إنكار مستمر يدفعك إلى التشكيك بنفسك، بما تراه عيناك، بما عشته أنت وعائلتك من مرارة النظام السوري، حتى وإن لم تكن سوريّاً.. إنكار يدفعك إلى الشك في صدى ثورتك.. تتساءل هل يا ترى فعلاً صوتنا لا يصل إلى القصر الرئاسي؟ فترفع صوتك اعلى وأعلى.. لكن الإنكار مستمر، وكأنّك تصرخ في العدم..

 

نظرية المؤامرة:

ويجدر بنا التنويه أنها ليست نظرية من اختراع النظام السوري.. بل نظرية عريقة قديمة قدم الزمان، تبرر للمتآمر عليه اتسخدام شتّى الوسائل للدفاع على النفس، وتسمح له لتخوين من يشاء. ففي المؤامرة العدو ممكن أن يكون اينما كان، على عكس الحرب التي تسهّل عليك التعرف على عدوّك. المؤامرة خبيثة، تضع جميع أصدقائك وابنائك وأهلك في دائرة الاتهام..

 

الحرب ضد الإرهاب:

كالعبد الفقير، تواجه الدولة السورية الإرهاب والجماعات المسلّحة التي تتآكل جسد الوطن.. ولم لا؟ المبدا أمريكي، هذا صحيح، لكنّ أمريكيّته لا تمنع النظام من استخدامه. على العكس، فبنظر الحكم، لعب ورقة القاعدة لا يمكن ان يضرّ.. قد لا ينفع، لكنه على الأكيد لا يضرّ..

 

تحويل الانتباه:

وهي وسيلة قديمة أيضاً، فلنركّز على فلسطين وعلى تحرير القدس، ولنسأل لاحقاً عن الوضع الداخلي في سوريا. فالنظام الممانع بحاجة لكامل قواه ليتابع الممانعة.. علماً أنه لم يعد احد يفهم ما الذي يمانعه النظام، ولا كيف يمانعه. لكن على الشعب السوري أن يضع همومه ومطالبه جانباً ويفكّر بالمقاومة، ويفكّر بالاستقرار الإقليمي، ويفكّر بأطفال غزة..

 

عبر هذه الاستراتيجيات الأربع، يمكننا أن نستخلص أنك إذا كنت معارضاً سورياً، فأنت اولاً كائن غير موجود، ووجودك من خيال متآمر، وهدفك الإرهاب وقتل البرياء، وفوق كل شيء فأنت أناني لا تفكّر أبعد من مصلحتك الشخصية..

 

عبر هذه المحاور يدخل النظام معارضيه والمتعاطفين معه في دائرة العجز.. فأنت عاجز عن الحصول على اعتراف بوجودك، عاجز عن الحصول على اعتراف بشؤعيتك، عاجز عن الحصول عن تبرئتك من الدم الذي يهدر.. إما تتراجع عن مطالبك، او انت أناني.

 

تقتل، فتطلب حماية دولية، فتتهم بالعمالة..

تتراجع لتنادي بالحوار مع المعارضة، فيتم إعلامك أنه لا وجود للمعارضة..

حلقة مفرغة من "يا قاتل، يا مقتول" وهذا هو جلّ سوء الوضع في سوريا. فالمحتجون يدركون انهم هالكون إذا تراجعوا، والنظام مدرك انه هالك إذا استسلم.. أسوا الحروب، هي حرب من ليس لديه ما يخسره في وجه من لديه كل شيء ليخسره..

 

في هذه الحلقة المفرغة، لا يبقى سوى الأمل بأن نتخطى هذا العجز..

 

 

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.